أسير.. أسيرة.. كلمة قد تمر على مسامعنا كثيراً.. لكنها لا تبدو مؤلمة كثيراً بالقدر الذي يؤلمنا فقد شهيد أو شهيدة.. ربما لأننا نسلي أنفسنا بأننا لم
نفقدهم للأبد، لكن الاقتراب من المعاناة التي قد تلازم آثارها الأسير وأسرته يضيف إلى ألمنا آلاما، وإلى لوعتنا لوعات، يضاعفها إحساس بالذنب؛ لكوننا كنا أقل تألماً لألم من يحيا في جمر السجون، متشاغلين بالتألم لشهيد انتقل إلى النعيم..
وعن جمر السجون الصهيونية، وتلظي الأسيرات الفلسطينيات بالجزء الأكبر منها، كان لنا هذا الحوار مع الأسيرة الشابة المحررة "يقين سامر حصارمة"..
* بداية.. من هي يقين حصارمة؟
** أبلغ من العمر 19عاماً من مدينة البيرة، أنتمي لأسرة عاملة لدين الله عز وجل، فوالدي حفظه الله يحمل درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية وهو معتقل سابق، كان من صناع العمل الطلابي الإسلامي في فلسطين، فقد كان أول رئيس لكتلة إسلامية في فلسطين في جامعة بيرزيت، ووالدتي حفظها الله تحمل درجة البكالوريوس في الكيمياء، من الناشطات في نفس المجال في جامعة بيرزيت منذ مطلع الثمانينيات..
وبعد عشر سنوات من الاغتراب في إحدى دول الخليج عادت الأسرة إلى فلسطين بمحض إرادتها ليعمل والدي مديرا تنفيذياً للجمعية العلمية الطبية بفلسطين، ولتؤسس والدتي مؤسستين نوعيتين إسلاميتين في مدينة البيرة، ومارست العمل في مجال الأسرة والطفل، وهي ترأس جمعية "الخنساء" النسائية، ولها العديد من المساهمات الفعالة ووقوفها في وجه الدعوات العلمانية التي تهدف لهدم الأسرة، كما أن لي أخوين و أختين..
أما أكاديميا فإنني طالبة في كلية الإعلام تخصص إذاعة وتلفزيون بجامعة بيرزيت.
الجهاد الإعلامي:
* ولماذا اخترتِ مجال الإعلام للدراسة؟
** كنت أشعر أنني بحاجة لأن أخدم أمتي وإسلامي بشكل كبير وواسع، وأن أكون ممن يسعى لنشر وحمل هذه الدعوة العظيمة، ففكرت كيف يمكنني ذلك؟ فتذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم استطاع أن يؤثر في الناس وفي الدعوة من خلال كتاب الله، إذ كان هناك ثمة وسيلة لاختراق قلوب كثير من الناس، وكان الصحابي الجليل حسان بن ثابت "وسيلة للإعلام" عن طريق شعره واستطاع أن يؤثر كثيراً ويغير كثيراً في المسار، فكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول له: "يا حسان اهج المشركين وجبريل معك"..
ومع تعدد طرق الجهاد ونشر الدعوة الآن مع تطور العلم ووجود "الستالايت" والتلفزيون والإذاعة والإنترنت، كان حقاً على كل مسلم أن يحمل على عاتقه أعباء هذه الدعوة، لذا اخترت هذا المجال.
كما وأن الصحافة هي السلطة الرابعة، ومن الجميل أن يمتلك هذه السلطة وغيرها المسلم الكفء، خاصة مع الأخذ في الاعتبار قلة المحجبات في هذا المجال، لذا أحببت أن أخوض هذا المجال لأكون الوحيدة المحجبة حجاباً كاملاً في كليتي، حتى إن كثيراً من أساتذتي يستغربون من وجودي، وكأن الإعلام خلق فقط لأصحاب الملابس الخليعة والصوت المتقعر والفكر المنحرف! ولكن ولله الحمد أثبت وجودي لأكون الأولى على دفعتي رغم ظروف اعتقالي!
* لماذا تعتبرين الإعلام اختيارك الجهادي المفضل؟
** لأنني أرى أنه من خلاله أستطيع نشر الفكر الإسلامي الذي أحمله، لننهي الريادة الغربية في ذلك المجال، والذي حاول دس السم بالعسل من خلاله، ونجح في التأثير على شباب الأمة!
فلماذا لا نقوم بالتغذية العكسية، أو بتجريد السم من العسل ووضع الشهد بداله بما نحمله من أفكار دعوتنا العظيمة؟! ونستطيع أيضا إيصال ما يحدث في فلسطين دون أن تشوبه شائبة أو يعترضه عائق لفضح الممارسات الصهيونية على أرض الإسراء، وربط المسلم في كافة بقاع المعمورة بالمسجد الأقصى الذي غيب عن الساحة، وكاد أن ينساه المسلمون، وأصبحوا صماً بكماً عمياً عن صرخات وأنين هذا المسجد الذي كان منه معراج الحبيب إلى السماوات العلى!!
* برأيك ما هي أسباب عدم وجود إعلام إسلامي قوي على الساحة العربية؟
** أولاً ضعف التمويل، وعدم وجود كفاءة ونفوس مخلصة تعمل جادة، والأهم هو عزوف رجال الأعمال المسلمين عن الاستثمار في المجال الإعلامي، إلى جانب عدم وجود موارد بشرية إسلامية كافية، بالإضافة إلى قيود السلطات في العالم العربي على الإعلام الإسلامي والعاملين به.
* وما الطريق إذن لمواجهة هذه العقبات؟
** تلافي النقص في الأمور السابقة، والعزم والإرادة وعدم العجز والكسل، والنظر لمحاولات سابقة فشلت، فعلى سبيل المثال أجد من قناة "المجد"، وقناة "اقرأ" نماذج إسلامية لا بأس بها للنظر فيها لإكمال هذا الطريق وإيجاد مجلس أعلى للإعلام الإسلامي يكون الهدف منه توحيد الخطاب الإعلامي في العالم العربي وتنقيته..
اعتقال قنبلة!!
*كيف كانت ظروف وأسباب اعتقالك؟
** كل إنسان مسلم يعيش على ثرى هذه الأرض المقدسة يتوقع كل شيء: الشهادة، أو الاعتقال، أو هدم المنازل، أو فقد الأحبة، وفي أي وقت؛ فكل الاحتمالات متوقعة.
أما عن أسباب الاعتقال فكانت بتهمة أنني "قنبلة موقوتة" وقضايا أخرى كما نشرت صحيفة "يدعوت احرنوت" الإسرائيلية التي قالت إن الصهاينة أحبطوا عملية كنت سأنفذها!! ولكن بعد التحقيق القاسي الذي تعرضت له تبين بطلان هذه الاتهامات، وكان الحكم استنتاجاً على أنني ناشطة في الكتلة الإسلامية التابعة لحركة حماس في جامعة بيرزيت..
* كيف تم اعتقالك؟
** اقتحم جنود الصهاينة منزلنا الساعة الثالثة فجراً، وقاموا باحتجازنا في الطابق السفلي وشرعوا في تفتيش المنزل، ثم فصلوني عن والدي واقتادوني لغرفة النوم لأجدها قلبت رأساً على عقب وبها مجندة قامت بتفتيشي جسدياً، ثم ارتديت حجابي بعدما أبلغوني بقرار الاعتقال، ولكنهم منعوني من ارتداء حذائي واقتادوني حافية! ثم خرجت لأودع أهلي ومضيت معهم بعد أن رحلت المجندة..
تمت مصادرة جهاز الكمبيوتر الخاص بي ودفاتر وكتب الجامعة. وتم اعتقالي فجر الأحد 28/3/2004 وتم اعتقالي من منزلي بعد أن تم تطويقه بجنود وحرس الحدود الصهيوني والوحدات الخاصة لأنقل على إثره إلى سجن المسكوبية المعروف بـ "المسلخ".
ثم كان التحقيق 40 ساعة كاملة على كراسي التحقيق من الساعة 9 صباحاً وحتى الواحدة فجراً لمدة 5 أيام.. ومن محقق لآخر، وخلال ذلك تعرضت للضرب على القدم والكتف والرأس، وقبعت تحت تهديدات نفسية كثيرة، منها نسف المنزل وقتل الوالد والوالدة، وحتى قتلي واعتقال أخي الصغير الذي لم يتجاوز 8 سنوات، والحديث عن المستقبل العلمي والاجتماعي وأنه تم القضاء عليه.
ثم بعد هذه الساعات عرضوني على جهاز كشف الكذب، لأجيب عن سبع أسئلة لتخرج نتيجة الفحص بأنني كاذبة!!
حكم علي بالسجن لمدة 6 أشهر ويوم، وتغريمي غرامة مالية قدرها 12.000 شيكل أي ما يعادل 3000 دولار، بالإضافة إلى سنة وقف تنفيذ لمدة 3 سنوات.
* كيف كانت معاملتك داخل المعتقل؟
** منعت من الطعام والاستحمام سوى مرتين، ومنعوا عني زيارة المحامي أو أي مؤسسة حقوقية كالصليب الأحمر ونادي الأسير، ولم يكن يفتح علي باب الزنزانة إلا لإدخال بقايا الطعام وإخراجه، وكنت أُمنع من النوم بالطرق على باب الزنزانة.. ولم أكن وحدي أعيش في هذه الزنزانة القذرة، فقد كان يشاركني الصراصير والبعوض والفئران!! وكانوا يقومون بتبريد الزنزانة بشدة تارة، وتسخينها تارة أخرى، وإسماعي أصوات شباب في غرف التحقيق وهم يتعرضون للتعذيب لأفقد أعصابي، وحظروا زيارة الأهل لي لمدة شهر كامل بدون سبب، وكانت تتم مصادرة الملابس والكتب وكل متعلقاتي.
ثم نقلت وأنا في حالة غيبوبة إلى مستشفى في الرملة، وحين استيقظت وجدت نفسي مقيدة القدمين وإحدى اليدين في السرير والأخرى فيها الإبر وقرابة عشرة من السجانين ورئيس القسم وسجانة بأسلحتهم الآلية ومسدساتهم يقفون على رأسي، وفي الساعة 4 فجراً أعادوني إلى القسم حافية القدمين وبملابس الصلاة وغرقت ملابسي بالدماء التي نزفت من يدي بعد نزع الإبر بطريقة إجرامية!!
أوضاع مأساوية :
* هل شاركتِ في الإضراب عن الطعام خلال الفترة الماضية؟
** نعم.. وكان لمدة 12 يوماً ثم تدهورت حالتي الصحية لأعاني من الجفاف والآلام في الكليتين وتعفن في المعدة، بالإضافة إلى الهزال العام، لأنه تم تجريد الغرف حتى من السكر والملح.. لكني واصلت الإضراب رغم تدهور وضعي الصحي.. وبعد تعليق الإضراب بناء على وعود قدمها مدير مصلحة السجون تم التنصل منها فيما بعد، بل وقاموا بعزل بعض الأسيرات لمدة غير محددة.. كما كانوا يضيفون للطعام بعض السموم لتعاني بعدها الأسيرات من انتفاخ أجسادهن، ورجة في اليدين، وأمراض أخرى كالإمساك والبواسير وتقيؤ الدماء.
* ماذا عن أحوال الأسيرات بوجه خصوص؟
** أوضاع الأسيرات هي أوضاع مأساوية، وهي أصعب وأقسى من حياة الشباب في السجون، إذ يخشى الجنود والسجانون بشكل كبير من ردة فعل الشباب ويحسبون لهم حساباً نوعاً ما، أما عن الأسيرات فلا يعني لهم الأمر شيئاً، والكثيرات منهن ولدن أطفالهن داخل المعتقل ومهددات بفصل الأطفال عنهن.. ويعتبر وجود المسجونات اليهوديات الجنائيات من أشد أنواع العذاب للأسيرات؛ إذ يقمن بإيذائنا، وحرقنا، وإلقاء مواد كيماوية سامة علينا.
وكانت سلطات السجن تمنع عنا مواد التنظيف والغسيل؛ بحجة الخوف من أن نقوم بتصنيع مواد منها! وكذلك كان يتم منع الأمهات من احتضان أبنائهن، ومنع الأسيرات من إكمال تعليمهن..
الخلاصة: حياة مأساوية بشكل كبير تحاول الإدارة من خلالها استدراج الأسيرات لمواجهة تنتهي بضربهن وعزلهن ورش الغاز المسيل للدموع وغاز الأعصاب.. والأسوأ سياسة التفتيش العاري عند الذهاب إلى المحاكم.
*هل توجد أحداث "سجن أبو غريب" في معتقلات الصهاينة؟
** لا تحدث "حالات اغتصاب للأسيرات" وذلك بسبب منظورهم العقائدي، حيث يعتبرون أن أحد أسباب زوال دولتهم هو هتك أعراض المسلمات، ولذلك يتجنبون هذا الأمر بشكل كبير، مع العلم أنهم يهددون به، لكن لم يتجاوز الأمر مرحلة التهديد فقط، ولكنهم يستخدمون الضرب والشبح والعزل..
جنتي :
*هل يؤثر الاعتقال على شخصيتك كفتاة في المجتمع؟
** هذا يعود لنفسية الفتاة وتعاملها مع قضية الأسر، لكن أظن أن كل الأسيرات هن من صفوة الفتيات وشعارهن:
صبرا أخي لا تبتئس فالسجن ليس له اعتبار... والأسر من أجل الإلــــــــــه بشرعنا لهو الفخـــــار
وأنا أعتبر أن هذه هي حياة الأحرار في زمن العبيد، وإننا الغرباء في زمن أصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر..
ونتمثل أيضاً قول الإمام ابن تيمية: "ماذا يفعل بي أعدائي وجنتي في صدري القتل شهادة، والنفي سياحة، والسجن خلوة أتعبد فيها إلى الله".
* ماذا كانت نشاطاتك في المعتقل كداعية؟
** كانت تتمثل في وجود برنامج ثقافي متكامل يقوم عليه الأخوات في اللجنة الثقافية بالمعتقل وكنت أشرف عليه، ويتضمن برنامجاً لحفظ القرآن وتجويده وتفسيره، إضافة إلى الفقه وتعلم لغات أجنبية كالعبرية والإنجليزية والروسية، وأنشطة ثقافية كالأناشيد والدروس السياسية والنقاش الحر والرسم والخط، وتدارس قصص الصحابة والصحابيات، كما كنت أشرف على دورة إنجليزي وأناشيد إسلامية، وكنت منضمة لجميع الدورات السابقة، وقمت بإعطاء بعد الحلقات الدعوية، وكذلك دورة لبعض قواعد الإعلام العامة، كنسج القصة والخبر وأمور أخرى للأسيرات الأخريات.
وكان هناك ورد يومي لكل الأخوات على نطاق الغرفة الواحدة جماعياً عدا عن ورد الأخت الخاص، وقراءة المأثورات صباح مساء بشكل جماعي على الأبواب، ومع القراءة والذكر وقيام الليل والدعابة الأخوية والتآخي بين أرواحنا نقضي أيامنا الثقيلة داخل الزنازين الباردة، كنت أحاول أن أساعد قدر الإمكان على رفع الروح المعنوية للأخوات، فكنت أحاول تدبير الكتب والملابس للأخوات الجدد بشكل مستمر رغم منعهم لنا إدخال الكتب.. وبالطبع الدعاء في ظهر الغيب للأخوات، وكنت أكتب الخواطر وبعض الكلام المنثور..
* هل أثر اعتقالك على الأهل؟
** الأهل استودعوني الله منذ اللحظة الأولى وودعوني بابتسامات أمام الجنود إلا أنهم تأثروا كثيرا، وكانوا دائمي الدعاء لي، حتى إن الوالد انقطع عن مكتبه للدعاء لي لفترة، ولكن الصبر والاحتساب أملا في رفع الدرجات وحط الخطايا والثقة بما عند الله هو الغالب؛ لأن حزننا ليس بمقيم، لأن الحزن المقيم مقعد ويشل إرادة الإنسان ويشرد ذهنه.
* كيف استقبلك أهلك بعد الإفراج عنك؟
** انتظرتني أسرتي عند الحاجز المفترض أن يتم إطلاق سراحي عنده نهاراً كاملاً مع بعض أقاربي، وكانت لحظة اللقاء متميزة ومؤثرة، ثم اصطحبوني إلى المنزل مسيرة ساعة ونصف في السيارة، والذي كان قد أعد إعدادا جميلاً ووضعت الزينة والورود في أرجائه وكان بعض الأهل بانتظاري، فرح الجميع فرحا كبيرا وأعدت الولائم وذبحت الخراف واجتمع الأهل جميعا، حتى إن والداي اصطحباني للجامعة من أجل إعادة التسجيل، مما ذكرني بأول يوم ذهبت فيه إلى الروضة معهما منذ خمسة عشر عاما! لقد كان لقاء أنساني الكثير من المعاناة التي لاقيتها، واحتضانا ساعدني على التأقلم وتعزيز وضعي بشكل أسرع بعد الإفراج عني.
................................................................................
............
نفقدهم للأبد، لكن الاقتراب من المعاناة التي قد تلازم آثارها الأسير وأسرته يضيف إلى ألمنا آلاما، وإلى لوعتنا لوعات، يضاعفها إحساس بالذنب؛ لكوننا كنا أقل تألماً لألم من يحيا في جمر السجون، متشاغلين بالتألم لشهيد انتقل إلى النعيم..
وعن جمر السجون الصهيونية، وتلظي الأسيرات الفلسطينيات بالجزء الأكبر منها، كان لنا هذا الحوار مع الأسيرة الشابة المحررة "يقين سامر حصارمة"..
* بداية.. من هي يقين حصارمة؟
** أبلغ من العمر 19عاماً من مدينة البيرة، أنتمي لأسرة عاملة لدين الله عز وجل، فوالدي حفظه الله يحمل درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية وهو معتقل سابق، كان من صناع العمل الطلابي الإسلامي في فلسطين، فقد كان أول رئيس لكتلة إسلامية في فلسطين في جامعة بيرزيت، ووالدتي حفظها الله تحمل درجة البكالوريوس في الكيمياء، من الناشطات في نفس المجال في جامعة بيرزيت منذ مطلع الثمانينيات..
وبعد عشر سنوات من الاغتراب في إحدى دول الخليج عادت الأسرة إلى فلسطين بمحض إرادتها ليعمل والدي مديرا تنفيذياً للجمعية العلمية الطبية بفلسطين، ولتؤسس والدتي مؤسستين نوعيتين إسلاميتين في مدينة البيرة، ومارست العمل في مجال الأسرة والطفل، وهي ترأس جمعية "الخنساء" النسائية، ولها العديد من المساهمات الفعالة ووقوفها في وجه الدعوات العلمانية التي تهدف لهدم الأسرة، كما أن لي أخوين و أختين..
أما أكاديميا فإنني طالبة في كلية الإعلام تخصص إذاعة وتلفزيون بجامعة بيرزيت.
الجهاد الإعلامي:
* ولماذا اخترتِ مجال الإعلام للدراسة؟
** كنت أشعر أنني بحاجة لأن أخدم أمتي وإسلامي بشكل كبير وواسع، وأن أكون ممن يسعى لنشر وحمل هذه الدعوة العظيمة، ففكرت كيف يمكنني ذلك؟ فتذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم استطاع أن يؤثر في الناس وفي الدعوة من خلال كتاب الله، إذ كان هناك ثمة وسيلة لاختراق قلوب كثير من الناس، وكان الصحابي الجليل حسان بن ثابت "وسيلة للإعلام" عن طريق شعره واستطاع أن يؤثر كثيراً ويغير كثيراً في المسار، فكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول له: "يا حسان اهج المشركين وجبريل معك"..
ومع تعدد طرق الجهاد ونشر الدعوة الآن مع تطور العلم ووجود "الستالايت" والتلفزيون والإذاعة والإنترنت، كان حقاً على كل مسلم أن يحمل على عاتقه أعباء هذه الدعوة، لذا اخترت هذا المجال.
كما وأن الصحافة هي السلطة الرابعة، ومن الجميل أن يمتلك هذه السلطة وغيرها المسلم الكفء، خاصة مع الأخذ في الاعتبار قلة المحجبات في هذا المجال، لذا أحببت أن أخوض هذا المجال لأكون الوحيدة المحجبة حجاباً كاملاً في كليتي، حتى إن كثيراً من أساتذتي يستغربون من وجودي، وكأن الإعلام خلق فقط لأصحاب الملابس الخليعة والصوت المتقعر والفكر المنحرف! ولكن ولله الحمد أثبت وجودي لأكون الأولى على دفعتي رغم ظروف اعتقالي!
* لماذا تعتبرين الإعلام اختيارك الجهادي المفضل؟
** لأنني أرى أنه من خلاله أستطيع نشر الفكر الإسلامي الذي أحمله، لننهي الريادة الغربية في ذلك المجال، والذي حاول دس السم بالعسل من خلاله، ونجح في التأثير على شباب الأمة!
فلماذا لا نقوم بالتغذية العكسية، أو بتجريد السم من العسل ووضع الشهد بداله بما نحمله من أفكار دعوتنا العظيمة؟! ونستطيع أيضا إيصال ما يحدث في فلسطين دون أن تشوبه شائبة أو يعترضه عائق لفضح الممارسات الصهيونية على أرض الإسراء، وربط المسلم في كافة بقاع المعمورة بالمسجد الأقصى الذي غيب عن الساحة، وكاد أن ينساه المسلمون، وأصبحوا صماً بكماً عمياً عن صرخات وأنين هذا المسجد الذي كان منه معراج الحبيب إلى السماوات العلى!!
* برأيك ما هي أسباب عدم وجود إعلام إسلامي قوي على الساحة العربية؟
** أولاً ضعف التمويل، وعدم وجود كفاءة ونفوس مخلصة تعمل جادة، والأهم هو عزوف رجال الأعمال المسلمين عن الاستثمار في المجال الإعلامي، إلى جانب عدم وجود موارد بشرية إسلامية كافية، بالإضافة إلى قيود السلطات في العالم العربي على الإعلام الإسلامي والعاملين به.
* وما الطريق إذن لمواجهة هذه العقبات؟
** تلافي النقص في الأمور السابقة، والعزم والإرادة وعدم العجز والكسل، والنظر لمحاولات سابقة فشلت، فعلى سبيل المثال أجد من قناة "المجد"، وقناة "اقرأ" نماذج إسلامية لا بأس بها للنظر فيها لإكمال هذا الطريق وإيجاد مجلس أعلى للإعلام الإسلامي يكون الهدف منه توحيد الخطاب الإعلامي في العالم العربي وتنقيته..
اعتقال قنبلة!!
*كيف كانت ظروف وأسباب اعتقالك؟
** كل إنسان مسلم يعيش على ثرى هذه الأرض المقدسة يتوقع كل شيء: الشهادة، أو الاعتقال، أو هدم المنازل، أو فقد الأحبة، وفي أي وقت؛ فكل الاحتمالات متوقعة.
أما عن أسباب الاعتقال فكانت بتهمة أنني "قنبلة موقوتة" وقضايا أخرى كما نشرت صحيفة "يدعوت احرنوت" الإسرائيلية التي قالت إن الصهاينة أحبطوا عملية كنت سأنفذها!! ولكن بعد التحقيق القاسي الذي تعرضت له تبين بطلان هذه الاتهامات، وكان الحكم استنتاجاً على أنني ناشطة في الكتلة الإسلامية التابعة لحركة حماس في جامعة بيرزيت..
* كيف تم اعتقالك؟
** اقتحم جنود الصهاينة منزلنا الساعة الثالثة فجراً، وقاموا باحتجازنا في الطابق السفلي وشرعوا في تفتيش المنزل، ثم فصلوني عن والدي واقتادوني لغرفة النوم لأجدها قلبت رأساً على عقب وبها مجندة قامت بتفتيشي جسدياً، ثم ارتديت حجابي بعدما أبلغوني بقرار الاعتقال، ولكنهم منعوني من ارتداء حذائي واقتادوني حافية! ثم خرجت لأودع أهلي ومضيت معهم بعد أن رحلت المجندة..
تمت مصادرة جهاز الكمبيوتر الخاص بي ودفاتر وكتب الجامعة. وتم اعتقالي فجر الأحد 28/3/2004 وتم اعتقالي من منزلي بعد أن تم تطويقه بجنود وحرس الحدود الصهيوني والوحدات الخاصة لأنقل على إثره إلى سجن المسكوبية المعروف بـ "المسلخ".
ثم كان التحقيق 40 ساعة كاملة على كراسي التحقيق من الساعة 9 صباحاً وحتى الواحدة فجراً لمدة 5 أيام.. ومن محقق لآخر، وخلال ذلك تعرضت للضرب على القدم والكتف والرأس، وقبعت تحت تهديدات نفسية كثيرة، منها نسف المنزل وقتل الوالد والوالدة، وحتى قتلي واعتقال أخي الصغير الذي لم يتجاوز 8 سنوات، والحديث عن المستقبل العلمي والاجتماعي وأنه تم القضاء عليه.
ثم بعد هذه الساعات عرضوني على جهاز كشف الكذب، لأجيب عن سبع أسئلة لتخرج نتيجة الفحص بأنني كاذبة!!
حكم علي بالسجن لمدة 6 أشهر ويوم، وتغريمي غرامة مالية قدرها 12.000 شيكل أي ما يعادل 3000 دولار، بالإضافة إلى سنة وقف تنفيذ لمدة 3 سنوات.
* كيف كانت معاملتك داخل المعتقل؟
** منعت من الطعام والاستحمام سوى مرتين، ومنعوا عني زيارة المحامي أو أي مؤسسة حقوقية كالصليب الأحمر ونادي الأسير، ولم يكن يفتح علي باب الزنزانة إلا لإدخال بقايا الطعام وإخراجه، وكنت أُمنع من النوم بالطرق على باب الزنزانة.. ولم أكن وحدي أعيش في هذه الزنزانة القذرة، فقد كان يشاركني الصراصير والبعوض والفئران!! وكانوا يقومون بتبريد الزنزانة بشدة تارة، وتسخينها تارة أخرى، وإسماعي أصوات شباب في غرف التحقيق وهم يتعرضون للتعذيب لأفقد أعصابي، وحظروا زيارة الأهل لي لمدة شهر كامل بدون سبب، وكانت تتم مصادرة الملابس والكتب وكل متعلقاتي.
ثم نقلت وأنا في حالة غيبوبة إلى مستشفى في الرملة، وحين استيقظت وجدت نفسي مقيدة القدمين وإحدى اليدين في السرير والأخرى فيها الإبر وقرابة عشرة من السجانين ورئيس القسم وسجانة بأسلحتهم الآلية ومسدساتهم يقفون على رأسي، وفي الساعة 4 فجراً أعادوني إلى القسم حافية القدمين وبملابس الصلاة وغرقت ملابسي بالدماء التي نزفت من يدي بعد نزع الإبر بطريقة إجرامية!!
أوضاع مأساوية :
* هل شاركتِ في الإضراب عن الطعام خلال الفترة الماضية؟
** نعم.. وكان لمدة 12 يوماً ثم تدهورت حالتي الصحية لأعاني من الجفاف والآلام في الكليتين وتعفن في المعدة، بالإضافة إلى الهزال العام، لأنه تم تجريد الغرف حتى من السكر والملح.. لكني واصلت الإضراب رغم تدهور وضعي الصحي.. وبعد تعليق الإضراب بناء على وعود قدمها مدير مصلحة السجون تم التنصل منها فيما بعد، بل وقاموا بعزل بعض الأسيرات لمدة غير محددة.. كما كانوا يضيفون للطعام بعض السموم لتعاني بعدها الأسيرات من انتفاخ أجسادهن، ورجة في اليدين، وأمراض أخرى كالإمساك والبواسير وتقيؤ الدماء.
* ماذا عن أحوال الأسيرات بوجه خصوص؟
** أوضاع الأسيرات هي أوضاع مأساوية، وهي أصعب وأقسى من حياة الشباب في السجون، إذ يخشى الجنود والسجانون بشكل كبير من ردة فعل الشباب ويحسبون لهم حساباً نوعاً ما، أما عن الأسيرات فلا يعني لهم الأمر شيئاً، والكثيرات منهن ولدن أطفالهن داخل المعتقل ومهددات بفصل الأطفال عنهن.. ويعتبر وجود المسجونات اليهوديات الجنائيات من أشد أنواع العذاب للأسيرات؛ إذ يقمن بإيذائنا، وحرقنا، وإلقاء مواد كيماوية سامة علينا.
وكانت سلطات السجن تمنع عنا مواد التنظيف والغسيل؛ بحجة الخوف من أن نقوم بتصنيع مواد منها! وكذلك كان يتم منع الأمهات من احتضان أبنائهن، ومنع الأسيرات من إكمال تعليمهن..
الخلاصة: حياة مأساوية بشكل كبير تحاول الإدارة من خلالها استدراج الأسيرات لمواجهة تنتهي بضربهن وعزلهن ورش الغاز المسيل للدموع وغاز الأعصاب.. والأسوأ سياسة التفتيش العاري عند الذهاب إلى المحاكم.
*هل توجد أحداث "سجن أبو غريب" في معتقلات الصهاينة؟
** لا تحدث "حالات اغتصاب للأسيرات" وذلك بسبب منظورهم العقائدي، حيث يعتبرون أن أحد أسباب زوال دولتهم هو هتك أعراض المسلمات، ولذلك يتجنبون هذا الأمر بشكل كبير، مع العلم أنهم يهددون به، لكن لم يتجاوز الأمر مرحلة التهديد فقط، ولكنهم يستخدمون الضرب والشبح والعزل..
جنتي :
*هل يؤثر الاعتقال على شخصيتك كفتاة في المجتمع؟
** هذا يعود لنفسية الفتاة وتعاملها مع قضية الأسر، لكن أظن أن كل الأسيرات هن من صفوة الفتيات وشعارهن:
صبرا أخي لا تبتئس فالسجن ليس له اعتبار... والأسر من أجل الإلــــــــــه بشرعنا لهو الفخـــــار
وأنا أعتبر أن هذه هي حياة الأحرار في زمن العبيد، وإننا الغرباء في زمن أصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر..
ونتمثل أيضاً قول الإمام ابن تيمية: "ماذا يفعل بي أعدائي وجنتي في صدري القتل شهادة، والنفي سياحة، والسجن خلوة أتعبد فيها إلى الله".
* ماذا كانت نشاطاتك في المعتقل كداعية؟
** كانت تتمثل في وجود برنامج ثقافي متكامل يقوم عليه الأخوات في اللجنة الثقافية بالمعتقل وكنت أشرف عليه، ويتضمن برنامجاً لحفظ القرآن وتجويده وتفسيره، إضافة إلى الفقه وتعلم لغات أجنبية كالعبرية والإنجليزية والروسية، وأنشطة ثقافية كالأناشيد والدروس السياسية والنقاش الحر والرسم والخط، وتدارس قصص الصحابة والصحابيات، كما كنت أشرف على دورة إنجليزي وأناشيد إسلامية، وكنت منضمة لجميع الدورات السابقة، وقمت بإعطاء بعد الحلقات الدعوية، وكذلك دورة لبعض قواعد الإعلام العامة، كنسج القصة والخبر وأمور أخرى للأسيرات الأخريات.
وكان هناك ورد يومي لكل الأخوات على نطاق الغرفة الواحدة جماعياً عدا عن ورد الأخت الخاص، وقراءة المأثورات صباح مساء بشكل جماعي على الأبواب، ومع القراءة والذكر وقيام الليل والدعابة الأخوية والتآخي بين أرواحنا نقضي أيامنا الثقيلة داخل الزنازين الباردة، كنت أحاول أن أساعد قدر الإمكان على رفع الروح المعنوية للأخوات، فكنت أحاول تدبير الكتب والملابس للأخوات الجدد بشكل مستمر رغم منعهم لنا إدخال الكتب.. وبالطبع الدعاء في ظهر الغيب للأخوات، وكنت أكتب الخواطر وبعض الكلام المنثور..
* هل أثر اعتقالك على الأهل؟
** الأهل استودعوني الله منذ اللحظة الأولى وودعوني بابتسامات أمام الجنود إلا أنهم تأثروا كثيرا، وكانوا دائمي الدعاء لي، حتى إن الوالد انقطع عن مكتبه للدعاء لي لفترة، ولكن الصبر والاحتساب أملا في رفع الدرجات وحط الخطايا والثقة بما عند الله هو الغالب؛ لأن حزننا ليس بمقيم، لأن الحزن المقيم مقعد ويشل إرادة الإنسان ويشرد ذهنه.
* كيف استقبلك أهلك بعد الإفراج عنك؟
** انتظرتني أسرتي عند الحاجز المفترض أن يتم إطلاق سراحي عنده نهاراً كاملاً مع بعض أقاربي، وكانت لحظة اللقاء متميزة ومؤثرة، ثم اصطحبوني إلى المنزل مسيرة ساعة ونصف في السيارة، والذي كان قد أعد إعدادا جميلاً ووضعت الزينة والورود في أرجائه وكان بعض الأهل بانتظاري، فرح الجميع فرحا كبيرا وأعدت الولائم وذبحت الخراف واجتمع الأهل جميعا، حتى إن والداي اصطحباني للجامعة من أجل إعادة التسجيل، مما ذكرني بأول يوم ذهبت فيه إلى الروضة معهما منذ خمسة عشر عاما! لقد كان لقاء أنساني الكثير من المعاناة التي لاقيتها، واحتضانا ساعدني على التأقلم وتعزيز وضعي بشكل أسرع بعد الإفراج عني.
................................................................................
............