إن موضوع التوازن موضوع طويل؛ لأنه يشمل جميع جوانب هذا الدين. فالتوازن هو الوسطية وهو الاعتدال في جميع جوانب الحياة، وهو لغة من مادة وزن وتدور حول التجاذب والاستقامة، ووزن بمعنى (اعتدل).
أما اصطلاحاً فالتوازن هو إعطاء كل شيء حقه من غير زيادة ولا نقصان.
وهو يعد من الأشياء العزيزة سواء في المجتمع ككل، أو على مستوى الدعاة؛ لأن النفوس (كل النفوس) تحتوي على أنواع من الصفات والغرائز والطبائع داخلها، وغالباً ما تنزع بصاحبها إلى الأمور التي ترتاح إليها، ومن هذه الصفات ما هو خير، ومنها ما هو شر، فبحسب النوازع تكون شخصية الإنسان، والكلام هنا مع أناس لهم نوازع لكنها في الغالب نوازع خير، والمراد إيجاد توازن لهذه الأمور، وهو ما يسمى بالاستقامة أو الحكمة.
وتبرز أهمية التوازن في أمور:
1- أن أبواب الخير مفتوحة وكثيرة جداً، وميادين السباق لدخول الجنة كثيرة جداً، فيحتار المسلم في ترتيب الأولويات، وكيفية الأخذ بها، وربما رامها جملة فذهبت جملة، وربما تنقل فيها فلم يرها ولا بواحد منها.
2- قلة وندرة الشخصية المتكاملة الجامعة لجميع الصفات، فقد تجد رجلاً مثلاً مشهوراً بالزهد والورع والوعظ فهو متخصص في هذا الجانب فقط، ورجل آخر متخصص في العلم وربما في فن معين، فيستفيد منه الناس والصحوة في هذا الجانب فحسب، ورجل آخر مشهور بالإنفاق، وآخر مشهور بالجهاد، وآخر مشهور بالإصلاح بين الناس، وآخر مشهور بالسعي في مصالح المسلمين، لكنه يحمل صفة هو بارز فيها وهي التي يجيدها، فلا يستفاد منه في الغالب إلا في هذه الصفة فحسب، ونادراً ما تجد الشخصية المتكاملة التي هي -بإذن الله - سبحانه وتعالى -- مرجع الناس في فتاويهم، وتربيتهم، وتوجيههم، وحل قضاياهم.
لكن عندما ننظر إلى شخص المصطفى - صلى الله عليه وسلم - نجد أنه قد تمثلت فيه شخصية الرجل المتكامل، فهو العابد، وهو الداعية، وهو المنفق، وهو الشجاع، وهو المجاهد، وهو المهتم بأسرته وبيته، وهو المتابع لأتباعه والمهتم بقضاياهم، وهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - شخصية متكاملة في جميع الجوانب، وهكذا ربى أصحابه -رضوان الله عليهم- وهكذا التابعون من بعدهم والأئمة الذين باتت شخصياتهم شخصيات متكاملة في جوانب شتى، من جوانب العلم، والمعرفة، والدعوة، والإنفاق، والجهاد، والعبادة ونحو ذلك.
3- ما تراه اليوم من خلط في كثير من المفاهيم، فمثلاً ترى عدم التوازن بين طلب العلم وبين الدعوة، عدم التوازن بين العاطفة والواقعية، عدم التوازن بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية، عدم التوازن في تقدير المصالح والمفاسد، والخلط بين تقدير العلماء وتقديسهم.
4- عدم التوازن بين إعطاء النفس حقها وإعطاء الدعوة حقها، وإعطاء الأهل حقهم وإعطاء العلم حقه وهكذا، وكذلك عدم التوازن بين إعطاء الدنيا حقها وإعطاء الآخرة حقها، وهكذا عدم التوازن بين متطلبات الأجل القريب والهدف البعيد، وعدم التوازن بين الأخذ بالأسباب والنظر للإنتاج، فالبعض لا بد أن تكون عنده الأسباب مساوية للنتائج وإلا ترك العمل، والآخر ركن وأوهم نفسه أنه لا دخل له بالنتائج ودعاه ذلك إلى أن يترك النظر في الأخذ بالأسباب الصحيحة، وكذلك عدم الاتزان في العلم بين العلم العيني وبين العلم الكفائي، وبين ما هو الأهم وما هو المهم، وخلط أولوياته في طلب العلم، وكذلك ما تراه من عدم التوازن في فتح باب الحوار على مصراعيه للجاهل والعالم، وبين إغلاق باب الحوار وفتحه على مصراعيه، وهكذا عدم التوازن في فتح باب التقويم والرد لكل من هب ودب، فترى الجاهل يرد على العالم، والصغير يرد على الكبير، وبالمقابل الدعوة لإغلاق باب التقويم والنقد، وهكذا أيضاً عدم التوازن في النظر إلى طبقات المجتمع عند الداعية، وأن يعطي كل مرحلة حقها، وكل طبقة ما يناسبها، وهكذا أيضاً عدم التوازن في مفهوم فقه الواقع أو ما يسمى بالوعي، فبعضهم يتجاوز فيه الحد، وبعضهم يزهد فيه، وهذا خلط، ولعل هذه المفاهيم يراها الكثير، وهي مظاهر واضحة جلية للجميع.
وختاما تبرز أهمية هذا الموضوع: مما يجد الشاب أو الداعية من اشتياق النفس إلى تحصيل الأجور، فإذا جلس في مجلس يحثُ فيه على علم تحمس لطلب العلم وربما ترك كل شيء، وإذا سمع خطيباً تكلم عن الإنفاق و (سبق أهل الدثور بالأجور)، فربما ترك طلب العلم والدعوة لكي يسهر على الدعوة إلى الله وينفق ونحو ذلك، وإذا سمع خطيباً يتكلم عن الجهاد في سبيل الله وما للشهيد ونحو ذلك تحمس وذهب للجهاد في سبيل الله، وإذا سمع وقرأ عن سير أولئك الأسلاف الذين كانوا يقومون الليل، ويصومون النهار، وورع اللسان ونحو ذلك ربما اشتاقت نفسه إليه في تحقيق هذه العبادة، فتختلط عليه الأوراق، فمرة علم، ومرة جهاد، ومرة دعوة، ومرة عبادة، ومرة مال، وربما رامها جمعياً فذهبت جميعاً، وربما أخذ بعضها وهي مهمة، ولكنه ترك الأهم أو انشغل بالمفضول عن الفاضل، ولذلك ظهرت هذه النتائج التي تروها اليوم.
هذه الأمور والأحوال تستلزم منا أهمية استشعار التوازن في حياة المسلم والعمل لتحقيق هذا الطبع القويم في أنفسنا وما حولنا
أما اصطلاحاً فالتوازن هو إعطاء كل شيء حقه من غير زيادة ولا نقصان.
وهو يعد من الأشياء العزيزة سواء في المجتمع ككل، أو على مستوى الدعاة؛ لأن النفوس (كل النفوس) تحتوي على أنواع من الصفات والغرائز والطبائع داخلها، وغالباً ما تنزع بصاحبها إلى الأمور التي ترتاح إليها، ومن هذه الصفات ما هو خير، ومنها ما هو شر، فبحسب النوازع تكون شخصية الإنسان، والكلام هنا مع أناس لهم نوازع لكنها في الغالب نوازع خير، والمراد إيجاد توازن لهذه الأمور، وهو ما يسمى بالاستقامة أو الحكمة.
وتبرز أهمية التوازن في أمور:
1- أن أبواب الخير مفتوحة وكثيرة جداً، وميادين السباق لدخول الجنة كثيرة جداً، فيحتار المسلم في ترتيب الأولويات، وكيفية الأخذ بها، وربما رامها جملة فذهبت جملة، وربما تنقل فيها فلم يرها ولا بواحد منها.
2- قلة وندرة الشخصية المتكاملة الجامعة لجميع الصفات، فقد تجد رجلاً مثلاً مشهوراً بالزهد والورع والوعظ فهو متخصص في هذا الجانب فقط، ورجل آخر متخصص في العلم وربما في فن معين، فيستفيد منه الناس والصحوة في هذا الجانب فحسب، ورجل آخر مشهور بالإنفاق، وآخر مشهور بالجهاد، وآخر مشهور بالإصلاح بين الناس، وآخر مشهور بالسعي في مصالح المسلمين، لكنه يحمل صفة هو بارز فيها وهي التي يجيدها، فلا يستفاد منه في الغالب إلا في هذه الصفة فحسب، ونادراً ما تجد الشخصية المتكاملة التي هي -بإذن الله - سبحانه وتعالى -- مرجع الناس في فتاويهم، وتربيتهم، وتوجيههم، وحل قضاياهم.
لكن عندما ننظر إلى شخص المصطفى - صلى الله عليه وسلم - نجد أنه قد تمثلت فيه شخصية الرجل المتكامل، فهو العابد، وهو الداعية، وهو المنفق، وهو الشجاع، وهو المجاهد، وهو المهتم بأسرته وبيته، وهو المتابع لأتباعه والمهتم بقضاياهم، وهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - شخصية متكاملة في جميع الجوانب، وهكذا ربى أصحابه -رضوان الله عليهم- وهكذا التابعون من بعدهم والأئمة الذين باتت شخصياتهم شخصيات متكاملة في جوانب شتى، من جوانب العلم، والمعرفة، والدعوة، والإنفاق، والجهاد، والعبادة ونحو ذلك.
3- ما تراه اليوم من خلط في كثير من المفاهيم، فمثلاً ترى عدم التوازن بين طلب العلم وبين الدعوة، عدم التوازن بين العاطفة والواقعية، عدم التوازن بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية، عدم التوازن في تقدير المصالح والمفاسد، والخلط بين تقدير العلماء وتقديسهم.
4- عدم التوازن بين إعطاء النفس حقها وإعطاء الدعوة حقها، وإعطاء الأهل حقهم وإعطاء العلم حقه وهكذا، وكذلك عدم التوازن بين إعطاء الدنيا حقها وإعطاء الآخرة حقها، وهكذا عدم التوازن بين متطلبات الأجل القريب والهدف البعيد، وعدم التوازن بين الأخذ بالأسباب والنظر للإنتاج، فالبعض لا بد أن تكون عنده الأسباب مساوية للنتائج وإلا ترك العمل، والآخر ركن وأوهم نفسه أنه لا دخل له بالنتائج ودعاه ذلك إلى أن يترك النظر في الأخذ بالأسباب الصحيحة، وكذلك عدم الاتزان في العلم بين العلم العيني وبين العلم الكفائي، وبين ما هو الأهم وما هو المهم، وخلط أولوياته في طلب العلم، وكذلك ما تراه من عدم التوازن في فتح باب الحوار على مصراعيه للجاهل والعالم، وبين إغلاق باب الحوار وفتحه على مصراعيه، وهكذا عدم التوازن في فتح باب التقويم والرد لكل من هب ودب، فترى الجاهل يرد على العالم، والصغير يرد على الكبير، وبالمقابل الدعوة لإغلاق باب التقويم والنقد، وهكذا أيضاً عدم التوازن في النظر إلى طبقات المجتمع عند الداعية، وأن يعطي كل مرحلة حقها، وكل طبقة ما يناسبها، وهكذا أيضاً عدم التوازن في مفهوم فقه الواقع أو ما يسمى بالوعي، فبعضهم يتجاوز فيه الحد، وبعضهم يزهد فيه، وهذا خلط، ولعل هذه المفاهيم يراها الكثير، وهي مظاهر واضحة جلية للجميع.
وختاما تبرز أهمية هذا الموضوع: مما يجد الشاب أو الداعية من اشتياق النفس إلى تحصيل الأجور، فإذا جلس في مجلس يحثُ فيه على علم تحمس لطلب العلم وربما ترك كل شيء، وإذا سمع خطيباً تكلم عن الإنفاق و (سبق أهل الدثور بالأجور)، فربما ترك طلب العلم والدعوة لكي يسهر على الدعوة إلى الله وينفق ونحو ذلك، وإذا سمع خطيباً يتكلم عن الجهاد في سبيل الله وما للشهيد ونحو ذلك تحمس وذهب للجهاد في سبيل الله، وإذا سمع وقرأ عن سير أولئك الأسلاف الذين كانوا يقومون الليل، ويصومون النهار، وورع اللسان ونحو ذلك ربما اشتاقت نفسه إليه في تحقيق هذه العبادة، فتختلط عليه الأوراق، فمرة علم، ومرة جهاد، ومرة دعوة، ومرة عبادة، ومرة مال، وربما رامها جمعياً فذهبت جميعاً، وربما أخذ بعضها وهي مهمة، ولكنه ترك الأهم أو انشغل بالمفضول عن الفاضل، ولذلك ظهرت هذه النتائج التي تروها اليوم.
هذه الأمور والأحوال تستلزم منا أهمية استشعار التوازن في حياة المسلم والعمل لتحقيق هذا الطبع القويم في أنفسنا وما حولنا