السلام عليكنّ ورحمة الله وبركاتة
بسم الله الرحمن الرحيم
مِن سير الصالحات
مِن سير الصالحات (صابرات ... محتسبات) [ 1 ]
هـذه الصحـابيـة
جــبل الـصــبر
وقـلعة التـّصبـّـر
هي عمة النبي صلى الله عليه وسلم
هي صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها
فما قصتها ؟
روى الإمام أحمد عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم ، فقال : المرأة المرأة .
قال الزبير رضي الله عنه : فتوسّمت أنها أمي صفية .
قال : فخرجت أسعى إليها فادركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى .
قال : فَـلَدَمَتْ في صدري ! وكانت امرأة جلدة !
قالت : إليك لا أرض لك !
قال فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك
قال : فوقفت ، وأخرجت ثوبين معها ، فقالت : هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما
قال : فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة ، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة
قال : فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفِّن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له
فقلنا : لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب . فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفّنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له .
انتهت الرواية .
من الدروس في هذه القصة :
أولاً : صبر هذه الصحابية رضي الله عنها مع علمها بمقتل أخيها حمزة رضي الله عنه وما وقع له من التمثيل بجثته بعد مقتله .
ثانياً : قوة شخصيتها حيث ضربت ابنها في صدرها وهي تعلم على أي شيء تُقبل .
ثالثاً : طاعتها لله ولرسوله وامتثالها لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديم طاعة الرسول على هوى النفس وعلى العواطف الجيّاشة
فلما أراد ابنها منعها لم تكترث به بل ضربته على صدره
لكن لما أتاها أمر النبي صلى الله عليه وسلم توقفت
فبمجرد أن قال لها :
((( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَزَمَ عليك )))
توقفت حيث بلغها الأمر
ولم تبرح المكان
ولم تحاول أن تتقدم ولو خطوات
بل وقفت وأخرجت ما كان معها من أكفان
فيالها من صابرة محتسبة
ويالها من مُطيعة ممتثلة
مستجيبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
رابعاً : لم تقع المحاباة لحمزة رضي الله عنه مع أنه عمّ النبي صلى الله عليه وسلم
فلم يؤثروه بالثوبين بل أجروا القرعة بينه وبين الأنصاري أيهم يُكفّن في أي الثوبين .
فلنا جميعا في هذه القصة الأسوة
ولك أخيّـه فيها القدوة والدرس والعبرة على وجه الخصوص
مِن سير الصالحات (صابرات ... محتسبات )[2]
قلعـة صبر أخـــرى
رغم أنه ابنها البـار بها
وقد فقدته
وفقد الابن البار صعب على نفس الأم
هذه أم حارثة
وهي الرُّبيِّع بنت النضر أخت أنس بن مالك رضي الله عنها وعن أخيها
جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر
فقالت :
يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة ؟ - وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب - فإن كان في الجنة صبرتُ ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء .
قال : يا أم حارثة إنـها جنان في الجنة ، وإن ابنك أصاب الفـردوس الأعلى . رواه البخاري .
حارثة كان بارّاً بأمه
فما بلغ من برِّه بها ؟
قالوا : كان يُطعمها بيده
وأين أوصله برّه ؟
أوصله إلى الفردوس
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينا أنا أدور في الجنة سمعت صوت قارئ فقلت من هذا ؟
فقالوا : حارثة بن النعمان
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذلكم البر . كذلكم البر .
قال : وكان أبرَّ الناس بأمِّه . رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، وهو كما قال .
هذه أم حارثة
فقدت فلذة كبدها
وابنها البارّ
ومع ذلك تسأل بكل هدوء :
فإن كان في الجنة صبرتُ ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء .
ياله من أدب مع مقام النبوة
ويالها من امرأة صابرة محتسبة
احتسبت مقتله في سبيل الله
أما القتل فقد قُـتِل
غير أن ما أهمها هو مصير ابنها ومآله بعد مقتله
فإن كان في الجنة فسوف تصبر وتتصبّر
وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء لا جزعا على فقده
ولكن جزعا على مآله ومصيره .
اللهم ارض عنها وأرضها .
من سير الصالحات ( صابرات ... مُحتسبات )[3]
قلعة شامخة من قــلاع الصـبر
ومدرسة من مدارس تعليم الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومربية من الدرجة الأولى لتعليم الناس قدر مقام النبوة
روى ابن جرير الطبري في التاريخ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :
مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُحد ، فلما نُعوا لها
قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قالوا : خيرا يا أم فلان . هو بحمد الله كما تحبين .
قالت : أرنيه حتى أنظر إليه ، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت :
كل مصيبة بعدك جلل . تريد صغيرة .
المهم أن يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولو قُتِل زوجها وأخوها وأبوها
ولسان حالها : نفسي لنفسك الفداء
أكلّ هذا الحب ؟
أكل هذا الحب كانت تُكنّه تلك الصدور لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
بل وأعظم
===========
مَنْ يقول : إن المرأة لا صبر لها ؟
أمّن يقول : إن الجزع فيهن هو الأصل ؟
أمّن يقول : إن المصائب تَذهب بالعقول ؟
والله إن الرجل ليستصغر نفسه أمام هذه المرأة التي ما ذُكِـر اسمها
ويتقالّ الصابر صبره مع صبرها
ويتحطّم كل تصنّع مع تلك السجيّـة
إن تلك المرأة لم تفقد عمّها
ولم تُفجع بوليدها
ولكن قُتِل زوجها وأخوها وأبوها
أما لو قٌتِل واحد منهم لكفى به مصيبة
فكيف بهم جميعا في موضع واحد
ومع ذلك لم يكن السؤال سوى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذا فعل ؟
أين من جزعت ؟
أين من تسخطت ؟
أين من ولولت ؟
أين من بكت وشقّت جيبها ؟
أين الثكالى ؟
أين ... واين ؟؟؟
لا أين ولا من أين !
أين من فقدت وليدها ... ولديها ثلاثة أو أربعة ؟؟؟
فبكت حتى احمرت أحداقها
أين من ناحت على فقد أبيها ... ولديها زوج وأولاد وإخوان ؟؟؟
أين من تشق جيباً ( لا ذنب له ) لفقد عزيز ؟؟؟
أما لهن في هذه وغيرها من قلاع الصبر أسـوة حسنة ؟؟؟
من سير الصالحات (الفقيهة العالمة العابدة المليحة الجميلة) ! [4]
كنت كتبت في سير الصالحات ثلاث حلقات تحت عنوان : من سير الصالحات ( صابرات ... محتسبات ) ثم توقفت حتى جاءني طلب ممن لا يُـردّ له طلب ، بمتابعة الكتابة في هذا الموضوع ، فأجبت نزولاً عند رغبته .
وإنما أبرزت العنوان بما بين القوسين لفائدة لطيفة
أولاً : لم آتِ به من عند نفسي ، بل سُبقت به ، كما سيأتي .
ثانياً : أنه لا تعارض بين الفقه والعلم والعبادة وبين الحُسن والجمال
والمُلاحظ أن أكثر الفتيات غروراً أكثرهن جمالاً !!!
وما علمن أنهن ربما سُلبن ذلك الجمال في غمضة عين بحريق ونحوه
ثم إن من شكر واهب ذلك الجمال أن لا يُترفّع على عباد الله بسببه
فليس للإنسان يـدٌ في صنع ذلك الجمال أو تصويره وإبداعه
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
ولنأخذ طرفاً من سيرة تلك العابدة
هي هجيمة الوصّابية الحميرية زوجة أبي الدرداء رضي الله عنه .
قال عنها ابن القيسراني :
كانت فقيهة عالمة عابدة مليحة جميلة ، واسعة العلم ، وافرة العقل . روت الكثير عن أبي الدرداء .
وقال عنها الذهبي :
السيدة العالمة الفقيهة : هجيمة ، وقيل جهيمة الأوصابية الحميرية الدمشقية ، وهي أم الدرداء الصغرى .
روت علماً جمّـاً عن زوجها أبي الدرداء ، وعن وكعب ابن عاصم الأشعري ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وطائفة ، وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء ، وطال عمرها واشتهرت بالعلم والعمل والزهد .
قال أبو مسهر الغساني : أم الدرداء هي هجيمة بنت حيي الوصابية ، وأم الدرداء الكبرى هي خيرة بنت أبي حدرد لها صحبة .
وكان لها جَـمال وحُسـن .
وكانت أم الدرداء يتيمة في حجر أبي الدرداء تختلف معه في برنس تصلي في صفوف الرجال ، وتجلس في حلق القرّاء تَعَـلَّم القرآن ، حتى قال لها أبو الدرداء يوما : الحقي بصفوف النساء .
وحَدّثتْ أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت : إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحوك ، وأنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة . قال : فلا تنكحين بعدي . فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان ، فقال : عليك بالصيام .
قالت أم الدرداء : قال لي أبو الدرداء : لا تسألي أحداً شيئا ، فقلت : إن احتجت ؟ قال : تتبعي الحصّادين فانظري ما يسقط منهم فخذيه فاخبطيه ثم اطحنيه وكُـلِـيه .
قال عون بن عبد الله : كُـنا نأتي أم الدرداء فنذكر الله عندها .
وقال مكحول : كانت أم الدرداء فقيهة .
ومن فقهها :
أنها كانت تقول : إن أحدهم يقول اللهم ارزقني ، وقد علم أن الله لا يمطر عليه ذهبا ولا دراهم ، وإنما يرزق بعضهم من بعض ، فمن أُعطي شيئا فليقبل ، فإن كان غنياً فليضعه في ذي الحاجة ، وإن كان فقيرا فليستعن به .
ومما يدلّ على فضلها وسعة علمها أن عبد الملك بن مروان كان كثيرا ما يجلس إليها في مؤخر المسجد بدمشق .
هكذا فلتكن النساء
فلو كان النساء كمثل هذي لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال
رحــم الله أم الدرداء برحمته الواسعة .
بسم الله الرحمن الرحيم
مِن سير الصالحات
مِن سير الصالحات (صابرات ... محتسبات) [ 1 ]
هـذه الصحـابيـة
جــبل الـصــبر
وقـلعة التـّصبـّـر
هي عمة النبي صلى الله عليه وسلم
هي صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها
فما قصتها ؟
روى الإمام أحمد عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم ، فقال : المرأة المرأة .
قال الزبير رضي الله عنه : فتوسّمت أنها أمي صفية .
قال : فخرجت أسعى إليها فادركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى .
قال : فَـلَدَمَتْ في صدري ! وكانت امرأة جلدة !
قالت : إليك لا أرض لك !
قال فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك
قال : فوقفت ، وأخرجت ثوبين معها ، فقالت : هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما
قال : فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة ، فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة
قال : فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفِّن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له
فقلنا : لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب . فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفّنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له .
انتهت الرواية .
من الدروس في هذه القصة :
أولاً : صبر هذه الصحابية رضي الله عنها مع علمها بمقتل أخيها حمزة رضي الله عنه وما وقع له من التمثيل بجثته بعد مقتله .
ثانياً : قوة شخصيتها حيث ضربت ابنها في صدرها وهي تعلم على أي شيء تُقبل .
ثالثاً : طاعتها لله ولرسوله وامتثالها لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديم طاعة الرسول على هوى النفس وعلى العواطف الجيّاشة
فلما أراد ابنها منعها لم تكترث به بل ضربته على صدره
لكن لما أتاها أمر النبي صلى الله عليه وسلم توقفت
فبمجرد أن قال لها :
((( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَزَمَ عليك )))
توقفت حيث بلغها الأمر
ولم تبرح المكان
ولم تحاول أن تتقدم ولو خطوات
بل وقفت وأخرجت ما كان معها من أكفان
فيالها من صابرة محتسبة
ويالها من مُطيعة ممتثلة
مستجيبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
رابعاً : لم تقع المحاباة لحمزة رضي الله عنه مع أنه عمّ النبي صلى الله عليه وسلم
فلم يؤثروه بالثوبين بل أجروا القرعة بينه وبين الأنصاري أيهم يُكفّن في أي الثوبين .
فلنا جميعا في هذه القصة الأسوة
ولك أخيّـه فيها القدوة والدرس والعبرة على وجه الخصوص
مِن سير الصالحات (صابرات ... محتسبات )[2]
قلعـة صبر أخـــرى
رغم أنه ابنها البـار بها
وقد فقدته
وفقد الابن البار صعب على نفس الأم
هذه أم حارثة
وهي الرُّبيِّع بنت النضر أخت أنس بن مالك رضي الله عنها وعن أخيها
جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر
فقالت :
يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة ؟ - وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب - فإن كان في الجنة صبرتُ ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء .
قال : يا أم حارثة إنـها جنان في الجنة ، وإن ابنك أصاب الفـردوس الأعلى . رواه البخاري .
حارثة كان بارّاً بأمه
فما بلغ من برِّه بها ؟
قالوا : كان يُطعمها بيده
وأين أوصله برّه ؟
أوصله إلى الفردوس
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينا أنا أدور في الجنة سمعت صوت قارئ فقلت من هذا ؟
فقالوا : حارثة بن النعمان
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذلكم البر . كذلكم البر .
قال : وكان أبرَّ الناس بأمِّه . رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، وهو كما قال .
هذه أم حارثة
فقدت فلذة كبدها
وابنها البارّ
ومع ذلك تسأل بكل هدوء :
فإن كان في الجنة صبرتُ ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء .
ياله من أدب مع مقام النبوة
ويالها من امرأة صابرة محتسبة
احتسبت مقتله في سبيل الله
أما القتل فقد قُـتِل
غير أن ما أهمها هو مصير ابنها ومآله بعد مقتله
فإن كان في الجنة فسوف تصبر وتتصبّر
وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء لا جزعا على فقده
ولكن جزعا على مآله ومصيره .
اللهم ارض عنها وأرضها .
من سير الصالحات ( صابرات ... مُحتسبات )[3]
قلعة شامخة من قــلاع الصـبر
ومدرسة من مدارس تعليم الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومربية من الدرجة الأولى لتعليم الناس قدر مقام النبوة
روى ابن جرير الطبري في التاريخ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :
مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأُحد ، فلما نُعوا لها
قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قالوا : خيرا يا أم فلان . هو بحمد الله كما تحبين .
قالت : أرنيه حتى أنظر إليه ، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت :
كل مصيبة بعدك جلل . تريد صغيرة .
المهم أن يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولو قُتِل زوجها وأخوها وأبوها
ولسان حالها : نفسي لنفسك الفداء
أكلّ هذا الحب ؟
أكل هذا الحب كانت تُكنّه تلك الصدور لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
بل وأعظم
===========
مَنْ يقول : إن المرأة لا صبر لها ؟
أمّن يقول : إن الجزع فيهن هو الأصل ؟
أمّن يقول : إن المصائب تَذهب بالعقول ؟
والله إن الرجل ليستصغر نفسه أمام هذه المرأة التي ما ذُكِـر اسمها
ويتقالّ الصابر صبره مع صبرها
ويتحطّم كل تصنّع مع تلك السجيّـة
إن تلك المرأة لم تفقد عمّها
ولم تُفجع بوليدها
ولكن قُتِل زوجها وأخوها وأبوها
أما لو قٌتِل واحد منهم لكفى به مصيبة
فكيف بهم جميعا في موضع واحد
ومع ذلك لم يكن السؤال سوى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذا فعل ؟
أين من جزعت ؟
أين من تسخطت ؟
أين من ولولت ؟
أين من بكت وشقّت جيبها ؟
أين الثكالى ؟
أين ... واين ؟؟؟
لا أين ولا من أين !
أين من فقدت وليدها ... ولديها ثلاثة أو أربعة ؟؟؟
فبكت حتى احمرت أحداقها
أين من ناحت على فقد أبيها ... ولديها زوج وأولاد وإخوان ؟؟؟
أين من تشق جيباً ( لا ذنب له ) لفقد عزيز ؟؟؟
أما لهن في هذه وغيرها من قلاع الصبر أسـوة حسنة ؟؟؟
من سير الصالحات (الفقيهة العالمة العابدة المليحة الجميلة) ! [4]
كنت كتبت في سير الصالحات ثلاث حلقات تحت عنوان : من سير الصالحات ( صابرات ... محتسبات ) ثم توقفت حتى جاءني طلب ممن لا يُـردّ له طلب ، بمتابعة الكتابة في هذا الموضوع ، فأجبت نزولاً عند رغبته .
وإنما أبرزت العنوان بما بين القوسين لفائدة لطيفة
أولاً : لم آتِ به من عند نفسي ، بل سُبقت به ، كما سيأتي .
ثانياً : أنه لا تعارض بين الفقه والعلم والعبادة وبين الحُسن والجمال
والمُلاحظ أن أكثر الفتيات غروراً أكثرهن جمالاً !!!
وما علمن أنهن ربما سُلبن ذلك الجمال في غمضة عين بحريق ونحوه
ثم إن من شكر واهب ذلك الجمال أن لا يُترفّع على عباد الله بسببه
فليس للإنسان يـدٌ في صنع ذلك الجمال أو تصويره وإبداعه
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
ولنأخذ طرفاً من سيرة تلك العابدة
هي هجيمة الوصّابية الحميرية زوجة أبي الدرداء رضي الله عنه .
قال عنها ابن القيسراني :
كانت فقيهة عالمة عابدة مليحة جميلة ، واسعة العلم ، وافرة العقل . روت الكثير عن أبي الدرداء .
وقال عنها الذهبي :
السيدة العالمة الفقيهة : هجيمة ، وقيل جهيمة الأوصابية الحميرية الدمشقية ، وهي أم الدرداء الصغرى .
روت علماً جمّـاً عن زوجها أبي الدرداء ، وعن وكعب ابن عاصم الأشعري ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وطائفة ، وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء ، وطال عمرها واشتهرت بالعلم والعمل والزهد .
قال أبو مسهر الغساني : أم الدرداء هي هجيمة بنت حيي الوصابية ، وأم الدرداء الكبرى هي خيرة بنت أبي حدرد لها صحبة .
وكان لها جَـمال وحُسـن .
وكانت أم الدرداء يتيمة في حجر أبي الدرداء تختلف معه في برنس تصلي في صفوف الرجال ، وتجلس في حلق القرّاء تَعَـلَّم القرآن ، حتى قال لها أبو الدرداء يوما : الحقي بصفوف النساء .
وحَدّثتْ أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت : إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحوك ، وأنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة . قال : فلا تنكحين بعدي . فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان ، فقال : عليك بالصيام .
قالت أم الدرداء : قال لي أبو الدرداء : لا تسألي أحداً شيئا ، فقلت : إن احتجت ؟ قال : تتبعي الحصّادين فانظري ما يسقط منهم فخذيه فاخبطيه ثم اطحنيه وكُـلِـيه .
قال عون بن عبد الله : كُـنا نأتي أم الدرداء فنذكر الله عندها .
وقال مكحول : كانت أم الدرداء فقيهة .
ومن فقهها :
أنها كانت تقول : إن أحدهم يقول اللهم ارزقني ، وقد علم أن الله لا يمطر عليه ذهبا ولا دراهم ، وإنما يرزق بعضهم من بعض ، فمن أُعطي شيئا فليقبل ، فإن كان غنياً فليضعه في ذي الحاجة ، وإن كان فقيرا فليستعن به .
ومما يدلّ على فضلها وسعة علمها أن عبد الملك بن مروان كان كثيرا ما يجلس إليها في مؤخر المسجد بدمشق .
هكذا فلتكن النساء
فلو كان النساء كمثل هذي لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال
رحــم الله أم الدرداء برحمته الواسعة .